بين الوظيفة والهوية: 9 مفاتيح تضعك أول الطابور الوظيفي
في زمن التشابه والانطباعات السريعة، لا يكفي أن تحصل على وظيفة، بل يجب أن تُعرف بها وتُذكر من خلالها. في هذا المقال، يضع د. ناصر بن دهيم بين يديك 9 مبادئ لبناء هوية مهنية مميزة، تبدأ من الصوت وتصل إلى السمعة، من الانضباط إلى الاستراتيجية، لتُصبح في موقع لا يمكن تجاهله.

بناء الهوية المهنية: كيف تميز نفسك بين الخريجين؟
"في زمن الوظائف المتشابهة والخريجين المتكاثرين، لا ينجو إلا من يحمل في مهنته توقيعه، وفي أدائه بصمته، وفي حضوره قضيته."
الوظيفة اليوم لا تُعطى لمن يحمل الشهادة، بل لمن يحمل الهوية.
والهوية المهنية لا تُصنع حين يتم تعيينك، بل تُبنى بصمت، منذ اللحظة التي قررت فيها أن تكون مختلفًا… لا لأنك غريب، بل لأنك أصيل.
أن تبني هويتك المهنية لا يعني أن تكتب سيرة ذاتية جيدة، بل أن تصبح ذاتًا مهنية متماسكة يمكن قراءتها دون أن تنطق.
١. الهويّة لا تُصنع في التقديم… بل في التفاعل
كثيرون يتقنون كتابة السيرة، لكن القليل من بينهم يستطيع أن يثبت ما كتب.
إن الهوية المهنية هي الانسجام بين ما تقول، وما تفعل، وما يفهمه الناس عنك دون أن تطلب منهم ذلك.
حين لا تكون بحاجة لتبرير نفسك، فقد بدأت ببناء علامتك المهنية.
٢. اختر قضيتك… قبل أن تختارك وظيفتك
في عالم التوظيف، هناك من يركض خلف أي فرصة، وهناك من تُصنع له الفرص لأنه اختار أن يكون حاملًا لقضية، لا مجرد باحث عن عمل.
اختر مجالًا ترى أنك يمكن أن تضيف فيه شيئًا حقيقيًا، وابدأ بالتمركز حوله:
اقرأ فيه، اكتب عنه، تحدث من خلاله، أنشر رأيك حول مستقبله، واستشرف تحدياته.
القضية المهنية لا تُكتَب في ملف التقديم… بل تُقرأ في كل ما تفعله أمام الناس.
٣. لتكن لك لغة… لا لهجة مكرّرة
لا تقلد من سبقوك. لا تُكرر ما يُقال فقط لأنه "مقبول".
بصمتك تبدأ حين تكتشف لغتك المهنية: طريقة حديثك، تعبيراتك، مصطلحاتك، أسلوبك في الطرح، روحك الخاصة في التعامل.
العالم لا يحتاج إلى نسخة أخرى من موظف ناجح… بل يحتاج إلى أسلوب جديد في النجاح ذاته.
٤. اجعل من الإنترنت ساحتك… لا مرآتك
مواقع التواصل إما أن تكون مسرحًا تمثّل فيه ما تظنه صورة مهنية، أو ساحة تُبني فيها سمعتك خطوة بخطوة.
شارك المعرفة، لا التباهي.
اكتب آراء ناضجة، لا تعليقات سطحية.
اظهر كمن يملك رأيًا لا كمن يطلب إعجابًا.
كل تفاعل رقمي هو لبنة في جدار هويتك المهنية، فإما أن تبنيه، أو تهدمه بيدك.
٥. عامل كل مهمة وكأنها رسالتك للعالم
لا يوجد "عمل صغير" حين يكون المنفذ كبيرًا في وعيه.
الهوية المهنية لا تظهر في الأدوار القيادية فقط، بل في التفاصيل اليومية، في تنظيمك، في التزامك، في رقيك في الخلاف، وفي أخلاقك حين لا يراك أحد.
الوظيفة هي المنبر… وأنت من يكتب خطبة الأداء.
٦. لا تنتظر التقدير… اصنعه بما لا يمكن تجاهله
الهوية المهنية الحقيقية لا تطلب التصفيق… بل تفرض الاحترام.
من يتميز لا يصرخ أنه مميز، بل يعمل بصمت حتى يُسأل عنه وهو غائب.
التميّز لا يُعلن… بل يُلاحَظ.
والهويّة المهنية تبدأ حين تخرج من انتظار الاعتراف، إلى صناعة القيمة.
٧. العمل ليس مكانًا لبناء الصداقات… بل لبناء السُمعة
من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الخريجين الجدد أنهم يدخلون بيئة العمل بعقلية الطالب: يبحث عن أصدقاء، ينجذب للمريحين، ويحسب أنه إن أحسن علاقاته… ضَمِن استقراره.
لكن الحقيقة أن العمل لا يُقاس بدفء العلاقات، بل بوضوح الأدوار، ونضج التعامل، وصدق الأداء.
لا تُخطئ: الاحترام يُبنى من الإنجاز، لا من النكتة، ولا من الدردشة، ولا من التقارب العاطفي.
كن لطيفًا، محترمًا، حاضرًا… لكن لا تسمح لتحوّل العمل إلى مقهى علاقات أو صالة ترفيه اجتماعي.
العلاقات الإيجابية في بيئة العمل لا تُبنى بالتقرّب… بل تُنتج من خلال الأداء.
٨. اصنع ثقافة عملك… ولا تبتلعها ثقافة المؤسسة
قد تدخل بيئة عمل يخيّم عليها التذمر، أو يسودها الروتين، أو تنتشر فيها الأعذار أكثر من النتائج.
لا تتأثر. لا تُسحب. لا تتماهَ.
ابدأ منذ يومك الأول في بناء ثقافتك الشخصية داخل العمل:
الإنجاز قبل الكلام، الالتزام قبل الوعود، الجودة قبل الإرضاء.
ثقافتك المهنية هي درعك الداخلي في مواجهة ثقافات متهالكة،
وهي وحدها ما يجعلك مختلفًا حتى لو كنت في مكان واحد مع مئة موظف يشبهونك شكلاً… لكنهم ينهارون حين تُقاس النتائج.
من لا يملك ثقافة عمل، يذوب في ثقافة الآخرين دون أن يشعر.
٩. كوِّن استراتيجية لنموك… واستمر في تحسينها مع كل تجربة
الذين يمشون دون خريطة… يصلون متأخرين، أو لا يصلون أبدًا.
والوظيفة – مهما كانت بسيطة أو مؤقتة – ليست مرحلة انتظار، بل فرصة لصناعة خطة.
كوِّن لنفسك استراتيجية نمو وظيفي واضحة:
ما المهارات التي تحتاجها؟ ما نوع الفرص التي تناسبك؟ ما المسارات الممكنة؟
كل دورة تدريبية، كل مشروع تُسند إليه، كل تقييم تتلقاه… هو جزء من خطتك.
ومن لا يعمل بنموذج نمو مهني، سيعيش كل وظيفة وكأنها نهاية، لا مرحلة.
طوّر هذه الاستراتيجية بانتظام، تحدّثها كل 6 أشهر، وقِس نفسك عليها لا على الآخرين.
ومن أراد أن يبدأ بعمق لا بتخمين، فعليه أن يقرأ مقالات الدكتور ناصر بن دهيم في منصة عقول، خصوصًا تلك التي تتناول الاستراتيجية، وتطبيقاتها في بناء المسارات الشخصية والمهنية، فهناك تُبنى الخريطة لا بالتنظير، بل من قلب التجربة وصدق الممارسة.